المواقف الإفريقية في القضايا العالميةالتحالفات الإقليمية والدولية

القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة: إدانة الاعتداء الإسرائيلي، دعم الوساطة القطرية، وتعزيز الحضور الإفريقي

الملخص: يتناول هذا التقرير القمة العربية-الإسلامية الطارئة التي انعقدت في الدوحة في 15 سبتمبر 2025 بمشاركة أكثر من ستين دولة، عقب الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي القطرية. ويسلط المقال الضوء على مضامين البيان الختامي الذي أدان الهجوم باعتباره انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتهديدًا للأمن الجماعي، مبرزًا في الوقت ذاته الدعم الكامل لقطر ودورها المحوري في مسار الوساطة الإقليمية والدولية. كما يسلّط الضوء على المرتكزات التاريخية للدبلوماسية القطرية في إدارة النزاعات، مع تتبع امتدادها إلى القارة الإفريقية؛ حيث منح الحضور الإفريقي الكثيف للقمة بعدًا إضافيًا يعكس وحدة الموقف، ويعيد الاعتبار لمفهوم السيادة والأمن المشترك.

في مساء الخامس عشر من سبتمبر 2025، غدت الدوحة مركز الثقل السياسي والإعلامي في العالم العربي والإسلامي، وهي تحتضن القمة العربية-الإسلامية الطارئة بمشاركة نحو ستين دولة، جاءت وفودها على عجل استجابة لحدث غير مسبوق، وهو: غارة إسرائيلية استهدفت العاصمة القطرية نفسها، فأودت بحياة عدد من الأشخاص بينهم مسؤول أمني قطري، وأصابت آخرين بجراح.

لم تكن تلك الضربة مجرد انتهاك عسكري عابر؛ بل وُصفتْ بأنها “إرهاب دولة” يستهدف ليس فقط السيادة القطرية؛ بل الدور الدبلوماسي الذي اضطلعت به الدوحة طوال سنوات في إدارة ملفات التهدئة والمفاوضات المعقدة في المنطقة.

لقد بنت قطر، على مدى العقدين الماضيين، صورة الوسيط الموثوق في النزاعات الإقليمية والدولية. فهي العاصمة التي استضافت جولات التفاوض بين حركات المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وبين الفصائل الأفغانية والأطراف الدولية؛ بل تحولت إلى ساحة خلفية لعدد من المبادرات الخاصة بالسودان ولبنان واليمن.

لذلك جاء الاستهداف الإسرائيلي للدوحة كرسالة مزدوجة: محاولة عرقلة مسار الوساطة الجارية حول غزة والرهائن، وتجريد قطر من موقعها كـ “رئة دبلوماسية” للمنطقة. لقد شكّل هذا التحول الخطير الدافع الأكبر لعقد القمة؛ حيث اجتمع القادة تحت سقف واحد في الدوحة ليعلنوا أنّ المسألة لم تعد تخص فلسطين وحدها؛ بل صارت قضية أمن جماعي وانتهاك صارخ لسيادة دولة عربية-إسلامية.

ورغم أنّ القمم الاستثنائية لطالما ارتبطت بالخطاب التقليدي المندد، فإنّ السياق الحالي أضفى عليها طابعاً مختلفاً. فهي تأتي في ظل تحولات جيوسياسية متسارعة، كانكشاف هشاشة مسارات التطبيع، وتصاعد الغضب الشعبي العربي والإسلامي، وازدياد التحديات أمام استقرار أنظمة إقليمية تخشى أن يمتد الصراع إلى أراضيها.

ومن هنا تتبلور الإشكالية البحثية التي يعالجها هذا المقال، والتي تتمثل في السؤال المطروح: إلى أيّ مدى يمكن لمثل هذه القمم أن تتجاوز البيانات الرمزية لتتحول إلى رافعة سياسية وقانونية تُعيد الاعتبار لمفهوم السيادة وتدعم الوساطة وتُعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية؟

ولهذه الأهمية، يسعى هذا التقرير إلى قراءة القمة من خلال ثلاث زوايا محتلفة. الزاوية الأولى، مضامين البيان الختامي وما كشفه من خطاب جماعي قوي يقابله تباين في خيارات التصعيد بين الدول؛ والثانية، الدور القطري الذي لم يتوقف عند استضافة القمة؛ بل تجلّى في تموضعها كوسيط مركزي يحاول مقاومة العزل الدبلوماسي وتثبيت شرعيته الدولية؛ والثالثة، الزاوية الإفريقية التي اتسمت بحضور فاعل لأكثر من عشرين دولة، ألقى بعض قادتها خطابات مؤثرة تربط بين القضية الفلسطينية والنضال الإفريقي ضد الاستعمار والاستغلال، بما يسلط الضوء على مركزية إفريقيا في المعادلة الجديدة للأمن العربي-الإسلامي.

أولا: مضامين البيان الختامي

أكّد البيان الختامي الصادر عن القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة (15 سبتمبر 2025) على مجموعة من المرتكزات التي شكّلت الملامح الرئيسة لموقف الدول المشاركة.

في البداية، جاء التوصيف المباشر للهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية باعتباره “اعتداءً جبانًا وغير قانوني”، لا يمسّ قطر وحدها؛ بل يطال الأمن الجماعي للدول الأعضاء، ويمثل خرقًا صريحًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي الإنساني. ولعلّ هذا التوصيف الصارم أعاد الاعتداء من دائرة الحادث الأمني إلى إطار العدوان المنهجي الذي يستوجب موقفًا جماعيّاً.

ولم يقف البيان عند حدود الخطاب السياسي؛ بل دعا إلى تحرّكات عملية تشمل مراجعة العلاقات مع إسرائيل، ووقف أيّ صادرات عسكرية يمكن أن تُستخدم في الاعتداءات، والعمل على تحريك المسارات القانونية في مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية.

كما أعاد البيان ربط الاعتداء بالسياسات الإسرائيلية الأوسع، مشيرًا إلى الحصار المستمر والتجويع والتوسع الاستيطاني، وما وُصف بجرائم «التطهير العرقي» و«المجاعة المتعمدة» التي تقوّض الاستقرار الإقليمي وتضعف فرص الحلول السياسية.

وفي هذا السياق، حذّر المجتمعون من أنّ استمرار هذه السياسات يهدّد مسارات التطبيع القائمة، ويقوّض أيّ جهد مستقبلي لبناء الثقة بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية.

إلى جانب الإدانة، تضمّن البيان تأكيداً صريحاً على التضامن مع قطر ودعمها في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها واستقرارها. واعتبر المجتمعون أنّ استهداف الدوحة محاولة لتعطيل مساعي الوساطة الإنسانية والسياسية التي تلعبها، خصوصًا في ملف غزة وتحرير الرهائن، ما يستدعي الالتفاف حولها بدلًا من تركها تواجه الضغوط منفردة.

ولم يقف البيان عند حدود الخطاب السياسي؛ بل دعا إلى تحرّكات عملية تشمل مراجعة العلاقات مع إسرائيل، ووقف أيّ صادرات عسكرية يمكن أن تُستخدم في الاعتداءات، والعمل على تحريك المسارات القانونية في مجلس الأمن والجمعية العامة ومحكمة العدل الدولية. كما نبّه إلى أنّ استمرار الصمت الدولي يعزز الإفلات من العقاب، داعياً إلى تحمّل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه الأمن الإقليمي.

وأخيرًا، أرسى البيان مفهومًا أوسع للأمن والسيادة، باستحضاره نصوص ميثاق الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ليؤكد على أنّ صون استقلال الدول الأعضاء ليس خياراً سياسيّاً؛ بل التزاماً قانونيّاً وأخلاقيًا. وفي هذا السياق، شدّد على أنّ أيّ علاقة مع إسرائيل يجب أنْ تُبنى على احترام الحقوق الفلسطينية والالتزام بالشرعية الدولية.

ثانيا: مرتكزات الدور القطري في الوساطة والدبلوماسية

لم يكن انعقاد القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة حدثًا عابرًا في سياق دبلوماسي متوتر؛ بل جاء ليؤكد موقع قطر المميّز في معادلة الأمن الإقليمي والدولي. فالدولة التي استُهدفتْ في عاصمتها بعمل عسكري وُصف بأنه انتهاك صريح للقانون الدولي، هي ذاتها التي بنتْ خلال عقدين كاملين سمعة راسخة باعتبارها «بيت الوساطة» في العالمين العربي والإسلامي، ومركزًا للحوار بين الخصوم، وملتقى للجهود الدولية الرامية إلى احتواء النزاعات.

ولقد كرّستْ قطر الوساطة كأداة مؤسّسة في سياستها الخارجية؛ حيث عملتْ على الجمع بين المسارات الرسمية وغير الرسمية، مستفيدة من قدرتها على بناء الثقة مع أطراف متباينة، والتمسك بمبدأ الحياد الذي يمنحها شرعية مضاعفة. فمن وثيقة الدوحة للسلام في دارفور التي أسهمتْ في إنهاء أطول نزاعات السودان الداخلية، إلى اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين عام 2008، ومن مساعي التهدئة في اليمن، إلى المحادثات التي جمعت حركة طالبان بالولايات المتحدة، ظلّت الدوحة حاضرة في أبرز ملفات المنطقة.

إنّ القمة لم تكن مجرد اجتماع طارئ لمواجهة حادث استثنائي؛ بل مناسبة لتجديد الاعتراف بالدور القطري كفاعل دبلوماسي لا غنى عنه، ودولة أثبتتْ أنّ الوساطة ليست تكتيكًا سياسيًا؛ ولكنْ هوية راسخة في سلوكها الخارجي.

وقد امتد هذا الدور إلى القارة الأفريقية أيضاً؛ حيث رعتْ مفاوضات حساسة بين الحكومة التشادية والمعارضة، وأسهمتْ في جهود الاستقرار بالصومال؛ لتتوج مؤخرًا بمسار الكونغو الديمقراطية – حركة م23؛ حيث استضافت العاصمة القطرية لقاءات متقدمة أسفرتْ عن إعلان مبادئ واتفاقات هدنة برعاية دولية وإقليمية.

هذه التجربة الأخيرة عكستْ بوضوح أنّ الدوحة لم تَعُدْ وسيطاً في أزمات الشرق الأوسط وحدها فحسب؛ بل باتتْ حاضرة في ملفات عابرة للأقاليم، تربط بين أفريقيا والعالم العربي ضمن رؤية متكاملة للسلام والأمن.

وعند انعقاد القمة الطارئة في سبتمبر 2025، تجلى هذا «الدور المركب» في ثلاث دوائر متداخلة، وهي:

  • قطر باعتبارها الدولة المستهدفة التي تعرّضت سيادتها لانتهاك مباشر، ما أكسب خطابها شرعية خاصة أمام الرأي العام العربي والإسلامي.
  • قطر بصفتها الوسيط الخبير، المتمسكة بخط الحوار، والقادرة على جمع أطراف متناقضة تحت سقف واحد، بفضل خبراتها المتراكمة في إدارة الأزمات.
  • قطر بوصفها رمزًا للتضامن والسيادة؛ حيث تحوّل الاعتداء إلى لحظة لإبراز التمسك بالقانون الدولي وتكريس صورة الدولة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بأدوارها.

بهذا المعنى، فإنّ القمة لم تكن مجرد اجتماع طارئ لمواجهة حادث استثنائي؛ بل مناسبة لتجديد الاعتراف بالدور القطري كفاعل دبلوماسي لا غنى عنه، ودولة أثبتتْ أنّ الوساطة ليست تكتيكًا سياسيًا؛ ولكنْ هوية راسخة في سلوكها الخارجي.

ثالثا: البعد الإفريقي في القمة: الحضور والدلالات

لم يكن الحضور الإفريقي في القمة العربية-الإسلامية الطارئة مجرد عنصر بروتوكولي أو استكمال عددي؛ بل حمل معه أبعاداً سياسية ورمزية عميقة. فقد شاركتْ أكثر من عشرين دولة إفريقية، من بينها الجزائر ومصر وجنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال وتشاد والمغرب، فضلاً عنْ وفود من دول الساحل والقرن الإفريقي.

لقد أظهر هذا التمثيل المكثّف أنّ القارة الإفريقية، بما تملكه من ثقل ديمغرافي وجيوسياسي، تنظر إلى استهداف قطر باعتباره مسألة تمسّها مباشرة، سواء من زاوية القانون الدولي أو من منظور الأمن الجماعي.

وفي هذا السياق، جاءت مداخلات القادة الأفارقة لتؤكد على أنّ الاعتداء على قطر لا يهددها وحدها فقط؛ بل يشكّل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام انتهاك سيادة أيّ دولة أخرى. وقد عبّر الرئيس الجزائري عنْ أنّ المساس بقطر هو مساس بالمنظومة العربية والإسلامية كلها، فيما استعاد رئيس جنوب أفريقيا تجربة بلاده في مقاومة الأبارتهايد ليشدد على أنّ دعم فلسطين وقطر جزء من التزام تاريخي ضد جميع أشكال التمييز وانتهاك الحقوق.

كذلك، رَبطتْ خطابات قادة من دول الساحل والغرب الإفريقي بين القضية الفلسطينية وتجارب القارة مع الاستعمار والتدخلات الخارجية، معتبرين أنّ الموقف التضامني ليس مجرد خيار سياسي فحسب؛ بل واجب أخلاقي من الطراز الأول.

ويمكن تلخيص الأبعاد العملية للحضور الإفريقي في القمة الطارئة في ثلاثة مستويات، وهي:

  • شرعية دولية موسّعة: مشاركة هذا العدد الكبير من الدول الإفريقية عززتْ من قوة البيان الختامي، ورسّختْ أنّ الاعتداء على قطر قضية تتجاوز الخليج إلى فضاء أوسع يشمل أفريقيا.
  • انسجام خطابي واضح: الخطابات الإفريقية، على تنوع خلفياتها، التقت عند نقاط أساسية، مثل: رفض الاعتداء، ودعم الوساطة القطرية، وربط أمن القارة بالأمن العربي.
  • رؤية مستقبلية للتنسيق: مشاركة الدول الإفريقية حملتْ إشارة إلى أنّ القارة الإفريقية تسعى لأنْ تكون شريكًا كاملًا في صياغة الخطاب العربي-الإسلامي، لا مجرد داعم من الخارج.

وبهذا المفهوم، مثّل الحضور الإفريقي في القمة إضافة نوعية، ليس في العدد فحسب؛ بل في المضمون أيضا؛ إذْ جسّد وعيّاً جماعيّاً بأنّ قضايا السيادة والعدالة لم تعد حكراً على إقليم واحد؛ بل مسؤولية مشتركة بين الجنوب العالمي بأسره.

رابعا: الخاتمة

كشفتْ القمة العربية-الإسلامية الطارئة في الدوحة عن تحوّل نوعي في طبيعة الفعل الجماعي العربي والإسلامي. فبينما مثّل البيان الختامي تجسيداً لوحدة الخطاب وتماسك الإرادة السياسية في مواجهة انتهاك السيادة؛ جسّد الدور القطري بعمقه التاريخي في الوساطة والدبلوماسية قدرة دولة صغيرة في حجمها على أنْ تتحوّل إلى مركز ثقل في إدارة النزاعات وصياغة التفاهمات، محلية كانت أم إقليمية أم دولية.

وقد أضاف الحضور الإفريقي إلى هذا المشهد بعدًا متفرّدًا؛ إذْ لم يكنْ حضورًا بروتوكوليّاً؛ بل موقفاً مبدئيّاً يعيد تذكير العالم بأنّ النضال ضد الاستعمار والفصل العنصري لا ينفصل عن رفض أيّ عدوان على السيادة أو إنكار للحقوق.

ولقد جاءتْ كلمات القادة الأفارقة لتؤكد على أنّ التضامن مع قطر ليس دعماً سياسيّاً عابراً؛ ولكنْ التزاماً متجذّراً في الذاكرة التاريخية للشعوب التي عانتْ بدورها من التدخلات والهيمنة. وهذا البعد الإفريقي جعل القمة منصة جامعة بين ثلاث مكوّنات، وهي: الموقف العربي، والإجماع الإسلامي، والصوت الإفريقي، في خطاب واحد يدافع عن السيادة والعدالة.

إنّ دلالة هذه القمة لا تقف عند حدود لحظة الغضب من اعتداء عسكري؛ بل تتجاوزها إلى رسم ملامح مرحلة جديدة يكون فيها التنسيق العربي-الإسلامي-الإفريقي أكثر تماسكًا، وتكون فيه قطر أكثر إصراراً على الاستمرار في مسارها الدبلوماسي.

وبذلك تخرج القمة برسالة واضحة، مفادها: “أنّ السيادة لا تُجزّأ، وإنّ التضامن ليس شعاراً؛ بل مشروعاً مشتركاً يؤسّس لأفق جديد من التعاون والتآزر في عالم يموج بالأزمات”.

زر الذهاب إلى الأعلى