أخبار الساحلمرصد الوعي

محاولة انقلاب في مالي: اعتقال جنرالين وأكثر من 45 ضابطًا ظلّ أزمة سياسية وتصاعد الهجمات الجهادية

تشهد مالي منذ الأحد 10 أغسطس 2025 تطورًا لافتًا تمثل في محاولة انقلاب في مالي، بعدما أعلنت السلطات اعتقال أكثر من 45 عسكريًا، بينهم اللواء عباس ديمبيلي، الحاكم السابق لمنطقة موبتي وأحد أبرز الأسماء داخل الجيش، واللواء نِمَه ساغارا، وهي من القيادات النسائية النادرة في سلاح الجو المالي.

وجرت الاعتقالات في محيط العاصمة باماكو فجر الأحد، وسط غياب توضيحات رسمية، فيما أشارت مصادر برلمانية إلى أن الهدف كان الإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم.

وتأتي هذه المستجدات في سياق سياسي وأمني شديد التعقيد، إذْ يواصل المجلس العسكري بقيادة الكولونيل عاصمي غويتا حكم البلاد منذ الانقلابين المتتاليين في 2020 و2021، مع تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى عام 2027 وحلّ جميع الأحزاب السياسية في مايو الماضي، وهو ما أثار احتجاجات وانتقادات بشأن تضييق المجال السياسي وتقييد التعددية.

هذه القرارات، إلى جانب طول أمد المرحلة الانتقالية، عمّقت الانقسامات الداخلية وزادت من هشاشة المشهد العام. وعلى الصعيد الأمني، تتزامن محاولة انقلاب في مالي مع تصاعد هجمات الجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”، الذي شنّ في 1 يونيو 2025 هجومًا على قاعدة بولكِسّي وسط البلاد أسفر عن مقتل أكثر من 30 جنديًا.

وتشير بيانات “مشروع مواقع وأحداث النزاعات المسلحة” (ACLED) إلى أنّ النصف الأول من عام 2024م شهد مقتل 7,620 شخصًا في منطقة الساحل جراء العنف المسلح، ما يعكس اتساع نطاق التهديدات وتداخلها مع الأوضاع السياسية.

وعليه، سيقدم هذا المقال قراءة سريعة ومركزة للحدث في سياقه العام، من خلال ثلاثة محاور رئيسة، وهي: الخلفية والسياق السياسي في مالي، ديناميات المؤسسة العسكرية والانقسامات الداخلية، والمعادلة الأمنية وانعكاساتها على استقرار الدولة ومستقبلها القريب.

أولا: الخلفية والسياق

بعد محاولة انقلاب في مالي في 11 أغسطس 2025، تعود البلاد إلى مسارٍ عرف منذ 2020 تغيّرات حادة؛ حيث أطاح عسكريون بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في أغسطس 2020، قبل أن يُقصي الكولونيل عاصمي غويتا القيادة الانتقالية في مايو 2021 ويتولى رئاسة الدولة. هذه الانقلابات المتتالية أفرزت انتقالًا مفتوحًا زمنيًا وتبدلًا في موازين السلطة داخل باماكو.

فخلال 2023–2025، تراكمت مؤشرات تثبيت الحكم العسكري، تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة مبدئيًا، ثم توصيات “الحوار الوطني” في أبريل 2025 بتسمية غويتا رئيسًا لفترة خمس سنوات، وهو ما تُرجم لاحقًا بمسارٍ تشريعي يمنحه ولاية قابلة للتجديد. بذلك انتقلت البلاد من وعد انتقال قصير إلى أفق سياسي ممتد حتى 2027 وما بعده.

وتزامن ذلك مع تضييق المجال السياسي: علّقت السلطات في 7 مايو 2025 أنشطة الأحزاب “حتى إشعار آخر”، ثم حلّت جميع الأحزاب في 13 مايو، ما دفع إلى احتجاجات نادرة في باماكو وأعاد سؤال الشرعية إلى الواجهة. هذا الإغلاق للمجال العام شكّل خلفية مباشرة للأحداث الراهنة.

على مستوى الخارج، ترافق المسار الداخلي مع إعادة تموضع في التحالفات الإقليمية والدولية، بينما استمرت بيئة أمنية متقلبة بفعل نشاط الجماعات الجهادية في الشمال والوسط. هذا التراكب بين انتقالٍ سياسي مفتوح وهشاشة أمنية متزايدة يشكّل السياق الأوسع الذي ظهرت فيه محاولة انقلاب في مالي الأخيرة.

ثانيا: ديناميات المؤسسة العسكرية والشرخ الداخلي

يتمثل جوهر الحدث الراهن في اعتقال أكثر من 45 عسكريًا، بينهم اللواء عباس ديمبيلي (الحاكم السابق لمنطقة موبتي) واللواء نِمَه ساغارا من سلاح الجو، بدعوى السعي إلى “زعزعة المؤسسات” والإطاحة بالمجلس العسكري. حساسية هذين الاسمين داخل الجيش، ولا سيما شعبية ديمبيلي في بعض الأوساط، تعطي مؤشرًا على توتراتٍ مكتومة داخل المؤسسة.

إنّ توقيت الاعتقالات—فجر الأحد في أطراف باماكو—وغياب تفاصيل رسمية موسّعة يوحيان بأن القيادة تسعى إلى ضبطٍ سريع لأي تكتلات محتملة. في أدبيات الانقلابات داخل الجيوش الهشة، تُعدّ الاعتقالات الاستباقية أداة لردع “عدوى المغامرة” داخل الوحدات، خصوصًا حين تتزامن مع استياءٍ من طول أمد المرحلة الانتقالية. في هذا الإطار، تأتي محاولة انقلاب في مالي كاختبارٍ لتماسك هرم القيادة.

فانعكاس هذا التطور على مسار الحكم يتوقف على ما إذا كانت التوقيفات تُنهي محركيها أم تكشف شرخًا أوسع. فإذا اتسعت دائرة الاشتباه لتطال رتبًا وازنة، قد تُرغم القيادة على إعادة ترتيب ولاءات داخل الأجهزة، وهو ما قد يؤثر على قدرة الدولة على إدارة ملفاتٍ أخرى بالتوازي.

ثالثا: المعادلة الأمنية والشرعية

تتصاعد عمليات جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (القاعدة في الساحل) وتضرب مواقع ووحدات عسكرية بوتيرة متقاربة؛ ففي 1 يونيو 2025 سُجّل هجومٌ دامٍ على قاعدة بولكِسّي تلاه تواترٌ في الاستهدافات شرق البلاد، ما رسّخ صورة خصمٍ يوسّع جغرافيًا ويضغط تكتيكيًا. وفي ظل هذه الخلفية، تُضعف محاولة انقلاب في مالي صورة السيطرة المركزية وتستنزف الانتباه العملياتي.

هناك تقارير مستقلة تُظهر أنّ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” رفعت كلف العنف الإقليمي في الأشهر القريبة، مع مئات القتلى خلال مايو وحده عبر مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فيما ترصد تحليلات معمّقة تمدد الجماعة واستثمارها للفراغات في الحوكمة. هذا المنحى يضغط على شرعية السلطة التي تربط بقاءها بوعود الأمن.

وعلى الصعيد السياسي، نرى أنّ قيود المجال العام—من تعليق الأنشطة إلى حلّ الأحزاب—تقوّض قنوات التعبير السلمي وتزيد احتمالات المسارات غير الدستورية، ما يرفع قابلية تكرار محاولات على شاكلة محاولة انقلاب في مالي. وتزامنُ القمع السياسي مع تصاعد الهجمات الجهادية يخلق حلقةً تُنهك الشرعية وتشتت أدوات الردع.

الخاتمة

في ضوء هذه المستجدات، تمثل محاولة انقلاب في مالي مؤشرًا إضافيًا على هشاشة البنية السياسية والأمنية في البلاد، حيث تلتقي عوامل الانغلاق السياسي والانقسامات داخل المؤسسة العسكرية مع تصاعد التهديدات الجهادية لتخلق مزيجًا معقدًا من المخاطر. هذه العناصر، إذا استمرت في التفاعل من دون معالجة متوازنة، قد تُبقي المشهد عرضة لاضطرابات متكررة تقوّض فرص الاستقرار على المدى المتوسط.

واستشرافًا لمآلات الحدث، يمكن تصور ثلاث مسارات محتملة، وهي:

  1. أنْ تتمكن القيادة الحالية من إحكام سيطرتها عبر تعزيز الولاءات داخل الجيش واحتواء موجات الاستياء، بما يتيح لها مواصلة إدارتها للمرحلة الانتقالية حتى 2027، وإن كان ذلك مع استمرار الضغوط الأمنية.
  2. أنْ تتسع الانقسامات أو تتجدد المحاولات الانقلابية في حال فشل السلطة في معالجة أسباب الاحتقان داخل المؤسسة العسكرية أو الاستجابة للمطالب السياسية.
  3. أنْ تفرض التحديات الأمنية المتفاقمة—ولا سيما من الجماعات الجهادية—إعادة ترتيب أولويات الحكم، ما قد يدفع نحو انفتاح سياسي محسوب لاستقطاب دعم داخلي وخارجي أوسع.

في جميع الحالات، يظل مسار المشهد مالي مرهونًا بقدرتها على صياغة معادلة تحافظ على الحد الأدنى من التماسك المؤسسي، وتستجيب لتطلعات المجتمع، وتواجه في الوقت نفسه التحديات الأمنية التي تتجاوز حدودها الوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى