أخبار الساحل

هجمات منسقة ومقتل 80 مسلحًا في تصعيد جديد للجماعات الجهادية في جمهورية مالي

أعلنت القوات المسلحة المالية أنها قتلت 80 مسلحاً مرتبطين بتنظيم القاعدة، بعد سلسلة من الهجمات المنسقة التي استهدفت مواقع عسكرية في سبع مدن بوسط وغرب البلاد، قرب الحدود مع السنغال وموريتانيا. ووصفت هيئة الأركان هذه الهجمات بأنها “واسعة النطاق ومتزامنة“، وقد نُفّذت بشكل مفاجئ في مناطق متفرقة، في تصعيد لافت يعكس تنامي قدرات الجماعات المسلحة على التنسيق العملياتي.

وقد تبنى تنظيم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) المسؤولية عن الهجمات، مؤكدًا أنه نجح في السيطرة على ثلاث ثكنات عسكرية.

وجاء ذلك في بيان نشرته الجماعة، واصفة العمليات بأنها “دقيقة وفعالة”. ويُعتقد أنّ هذه الهجمات تحمل بصمات تكتيكية مشابهة لهجمات سابقة في مالي وبوركينا فاسو، بما في ذلك استهداف المواقع العسكرية على نحو مباغت، وتفكيك قدرة القوات على الرد المتزامن.

وتأتي هذه التطورات في سياق هشّ تعيشه مالي منذ تولي المجلس العسكري السلطة عام 2020، ومع تنامي حضور الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيمَي القاعدة وداعش.

وتزداد المخاوف الدولية من تحول مالي إلى مسرح مفتوح لعمليات الجماعات المسلحة، وسط تحذيرات أمريكية من أن منطقة الساحل أصبحت “بؤرة الإرهاب العالمية”، كما صرّح بذلك قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) مايكل لانغلي في مايو الماضي.

وفي ضوء ما سبق، تقدم وحدة الرصد في مركز الوعي الإفريقي تعليقا على هذا الحدث في نقاط ثلاث، وهي:

أولاً: هشاشة المقاربة العسكرية في ظل تصاعد التنسيق الجهادي

رغم تعقيد الهجمات الأخيرة وتزامنها في سبع مناطق مختلفة، أظهر الجيش المالي كفاءة قتالية ملحوظة في التصدي لها، وتمكن من تحييد أكثر من 80 مسلحًا في ظرف وجيز، في واحدة من أكثر العمليات التنسيقية حساسية خلال الأشهر الأخيرة. يعكس هذا الأداء الميداني قدرة المؤسسة العسكرية المالية على التكيف مع طبيعة الهجمات المعقدة، خاصة مع تلقيها دعمًا نوعيًا من “الفيلق الإفريقي”، الذي بات يلعب دورًا حاسمًا في سد الثغرات العملياتية بعد انسحاب القوات الفرنسية والأممية من البلاد.

غير أن هذا التصدي لا يُخفي حقيقة التحدي المتصاعد الذي تمثله الجماعات الجهادية، والتي أظهرت قدرة لافتة على التخطيط والاختراق وتنفيذ عمليات متزامنة في مناطق متباعدة، بما يدل على تماسك شبكات الدعم والتمويل والاستخبارات لديها. ويأتي ذلك في ظل بيئة أمنية ما زالت هشة في بعض المناطق الريفية والحدودية.

في هذا السياق، تبدو المقاربة الأمنية بحاجة إلى تعزيز شامل، يتجاوز البُعد العسكري التقليدي، ليشمل آليات الإنذار المبكر، وتكثيف التنسيق الاستخباراتي الإقليمي، ودعم البنى الدفاعية المحلية، وتفعيل مسارات المصالحة الاجتماعية في المناطق الأكثر عرضة للاختراق.

ومع استمرار التحولات الجيوسياسية في منطقة الساحل، فإن قدرة الجيش المالي، مدعومًا بالآليات الإفريقية المشتركة، على الحفاظ على زمام المبادرة، ستبقى عنصرًا حاسمًا في صد موجة التمدد الجهادي المقبلة، وحماية الحدود الغربية للبلاد من مزيد من التدهور الأمني.

ثانيا: تمدد الصراع نحو تخوم الساحل الغربي

توسّع نطاق الهجمات الأخيرة في مالي ليصل إلى مناطق قريبة من الحدود مع السنغال يشير إلى تحول نوعي في جغرافيا التهديد الجهادي. فعلى خلاف ما اعتادت عليه مالي في السنوات الماضية، باتت الجبهات الغربية، ولا سيما ولايات كايس ونيورو، تشهد نشاطًا متزايدًا للجماعات المسلحة، في مؤشر واضح على نية هذه الجماعات توسيع رقعة نفوذها خارج المثلث التقليدي للصراع (مالي – بوركينا فاسو – النيجر).

هذا الامتداد، قد يطرح تحديّاً مضاعفاً لدول مثل السنغال وغينيا وساحل العاج، التي طالما وُصفت بأنها خارج نطاق التمدد الجهادي المباشر؛ لكنها بدأت تشهد مؤشرات اختراق أمني منذ عام 2021، لاسيما على تخوم حدودها الشمالية والشرقية.

وتُظهر التقارير الاستخبارية، بما فيها تحذيرات القيادة الأمريكية في إفريقيا (AFRICOM) أنّ الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش تسعى حثيثًا للوصول إلى السواحل الأطلسية، لأسباب تتعلق بتمويل الأنشطة غير المشروعة، وفتح قنوات جديدة للاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات.

وفي ضوء هذه المعطيات، فإن جبهة الصراع في الساحل لم تعد محصورة في نطاقها المعروف؛ بل تتسع تدريجيّاً باتجاه مناطق أكثر استقراراً نسبيّاً. وهذا التمدد الجغرافي لا يعكس فقط تطورًا في طموح الجماعات المسلحة؛ بل يُظهر أيضاً وجود ثغرات أمنية في التنسيق الحدودي الإقليمي، مما يجعل الحاجة إلى استراتيجيات وقائية وتنسيق عابر للحدود أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

ثالثا: تآكل التنسيق الإقليمي أمام تصاعد الخطر المشترك

رغم الطابع غير المسبوق للهجمات المنسقة التي شهدتها مالي مؤخرا، لم تصدر حتى الآن مواقف إقليمية حازمة، ولا ظهرت بوادر تحرك جماعي من قِبل دول الساحل، أو حتى من “تحالف الدول الثلاث” (مالي، بوركينا فاسو، النيجر). هذا الصمت يعكس تراجعاً ملحوظاً في آليات التنسيق الأمني، الذي كان يوما ما ركيزة أساسية في مواجهة التهديدات العابرة للحدود. ويبدو أنّ الانقلابات العسكرية الأخيرة، والتوترات الداخلية، قد دفعت بكل دولة إلى التركيز على أولوياتها السيادية، على حساب العمل الجماعي.

وفي ظل هذا الانكفاء، تنجح الجماعات المسلحة في توسيع نطاقها العملياتي، مستفيدة من الفراغ الناجم عن تفكك البنى الأمنية المشتركة، وتضاؤل التنسيق الاستخباراتي، وانسحاب الأطراف الدولية التي كانت تضطلع بدور الوسيط أو الداعم اللوجستي.

ويعزز هذا التراجع صعود قوى بديلة في المشهد الأمني، مثل الفيلق الإفريقي أو الوجود الروسي غير التقليدي، ما يعيد رسم التوازنات في منطقة الساحل ويثير تساؤلات حول فاعلية الأطر الأمنية البديلة.

ففي وقت تتقاطع فيه التحديات الأمنية مع تحولات عميقة في بنية العلاقات الإقليمية والدولية، تبدو الحاجة ماسة إلى مقاربة جديدة لا تكتفي بردود الأفعال؛ بل تعيد بناء الثقة والتنسيق بين دول الساحل على أساس استباقي واستراتيجي. فالتجزئة الأمنية التي تشهدها المنطقة اليوم، تمنح الفاعلين غير الدوليين هامش مناورة خطير، وتهدد بإعادة هندسة النزاع الإقليمي بحدود رخوة ومعسكرات أمنية متباعدة.

الخاتمة

في مواجهة تصعيد كهذا، لا يكفي تعداد الضحايا أو التنديد بالهجمات؛ بل لا بد من قراءة معمقة للتحول في أنماط المواجهة، وسرعة استجابة الجيوش، وفعالية التحالفات الإقليمية. وما لم تُترجم هذه الدروس إلى تحرك جماعي منسق، فإن ساحل غرب إفريقيا قد يدخل طورًا جديدًا من الصراع، أكثر تعقيدًا، وأبعد أثرًا من مجرد مناوشات على أطراف الخرائط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى