مرصد الوعي

جثمان الرئيس إدغار لونغو يُحتجز بأمر قضائي في جنوب إفريقيا وسط نزاع سياسي متصاعد

في تطوّر غير مسبوق داخل الساحة السياسية الإفريقية، أوقفت المحكمة العليا في بريتوريا، جنوب إفريقيا، مراسم دفن الرئيس الزامبي الأسبق إدغار لونغو قبل لحظات فقط من إنزاله إلى مثواه الأخير، في خطوة قانونية حاسمة أشعلت جدلًا جديدًا حول من يملك القرار في وداع رموز الدولة: العائلة أم الدولة؟

جاء هذا التطوّر بعد دعوى عاجلة قدّمتها حكومة زامبيا تطالب فيها باستعادة جثمان الرئيس السابق لدفنه على الأراضي الوطنية، معتبرة أن مقامه السابق يفرض تنظيم جنازة رسمية تليق بمن شغل أعلى منصب في البلاد، وليس دفنًا خاصًا خارج الوطن.

وقد فوجئ المشيعون، الذين احتشدوا في كنيسة المسيح الملك في جوهانسبرغ، بقرار إلغاء الدفن بعد انتهاء القداس مباشرة. إذ تم إبلاغهم أن المحكمة أمرت بتجميد كل الإجراءات بناءً على اتفاق مؤقت بين الحكومة وعائلة لونغو، بانتظار جلسة قضائية حاسمة في الرابع من أغسطس 2025، سيُبت فيها بمصير الجثمان.

وكانت عائلة لونغو قد قررت تنظيم جنازة خاصة في جنوب إفريقيا، استنادًا – حسب قولها – إلى وصية الراحل، الذي أعرب سابقًا عن رغبته في عدم مشاركة الرئيس الحالي هاكايندي هيشيليما في جنازته. وهو ما فُهم على نطاق واسع كامتداد للعداء السياسي العميق الذي ربط بين الرجلين لسنوات.

في المقابل، تؤكد الحكومة الزامبية أن “الرؤساء السابقين لا يخصّون عائلاتهم وحدها، بل هم جزء من الذاكرة الوطنية وممتلكات رمزية للدولة”، مشيرة إلى أن مكان دفنهم يخضع لبرتوكولات رسمية، كما حصل سابقًا مع مؤسس الدولة كينيث كاوندا عام 2021، رغم اعتراض عائلته آنذاك.

سياق سياسي متوتر ومتكرر

الخلاف حول مراسم التشييع ليس مجرد نزاع بروتوكولي، بل يعكس انقسامًا عميقًا في النخب السياسية الزامبية. فالعلاقة المتوترة بين لونغو وهيشيليما تعود إلى عام 2017، عندما سُجن الأخير بتهمة “الخيانة” بسبب خلاف بروتوكولي خلال مرور الموكبين الرئاسي والمعارض. منذ ذلك الحين، لم تهدأ التوترات، رغم التغيير السلمي للسلطة في انتخابات 2021.

ورغم إعلان سابق عن التوصّل إلى اتفاق لإقامة جنازة رسمية داخل زامبيا، عادت الأمور إلى التأزيم بعد انهيار التفاهمات بشأن المكان، والمشاركين، وترتيبات الحضور. لتجد الدولة نفسها في موقف حرج بين احترام وصية أسرة الرئيس السابق، والحفاظ على هيبة الدولة.

بُعْد قانوني وسياسي مفتوح

أمهلت المحكمة العليا في بريتوريا الجهات القانونية حتى 4 يوليو لتقديم مذكرة محدثة من الجانب الزامبي، فيما مُنحت الأسرة حتى 11 يوليو لتقديم ردّها، قبل الجلسة النهائية المقررة في أغسطس.

ويؤكد مراقبون أفارقة أن هذه القضية تتجاوز حدود زامبيا، وتثير تساؤلات حول مفهوم “الدولة في شخص الرئيس”، والعلاقة بين السلطة الرمزية للدولة وخصوصيات الزعماء بعد وفاتهم، خاصة في الديمقراطيات الناشئة.

خاتمة

إلى حين صدور القرار النهائي، يظل جثمان إدغار لونغو معلقًا في مكانه، ويظل النقاش العام في زامبيا مشتعلاً. هل يدفن الرؤساء وفق وصاياهم العائلية؟ أم تُحسم مصائرهم بعد الموت بمرجعية وطنية؟ وبين من يطالب بالتهدئة وبين من يرى في القضية فرصة لتأكيد السيادة، يثبت الموت – مرة أخرى – أنه في إفريقيا لا يكون نهاية الخصومة، بل بداية جولة جديدة من الجدل حول السلطة والرمز والذاكرة.

زر الذهاب إلى الأعلى