قراءة في تداعيات اعتقال الدكتور سيكسي ماسرا

بقلم الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية د. عبد اللطيف آدم
قبل الخوض في ذلك الحدث الهام، نستعرض باختصار بعض جوانب الحالة السياسية التي تعيشها تشاد قبل مقتل الرئيس إدريس ديبي وبعده، وهي الحالة التي توصف بعدم الاستقرار في البلاد، والتي تمركزت حول بعض الجوانب المهمة التي تدعم شكل الحكم والاستقرار السياسي والأمني،، حيث استمرت تبعاتها بعد وفاته وانتقلت برمتها حينما خلفة ابنه محمد إدريس في قيادة الدولة، دون حدوث أي معالجات أو برامج إصلاحية تذكر،، مما دفع الأمر نحو تزايد وتيرة الأزمات ومن أهمها الأزمات الاقتصادية والمعيشية والخدمية والسياسية وهي بلا شك ناجمة عن نهج وراثي متبع في بلد متعدد الثقافات والمكونات المجتمعية والكيانات السياسية التي تمثل الشكل الأساسي لنهج ونظام إدارة الدولة.
وفق ما سبق يتضح تداعيات تلك التركة المهترئة في شكل الحكم ومنهجه المتبع سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية أو حتى الحالة الاقتصادية في إدارة موارد البلاد وعدم جودة توظيفها وكذلك غياب التنمية الموازية في الأقاليم، مع غياب الرؤية المستقبلية الثاقبة نحو معالجة القضايا الجوهرية التي تتسبب في أزمات البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية، جميعها تحتاج إلى وقفة وخط رجعه بإعادة النظر حولها.
من جراء تلك الأمور تراكم الوضع في البلاد، وأدى إلى وقوع بعض الأحداث، وبلا شك أصبحت الدولة التشادية في الآونة الأخيرة الأكثر عرضة وتأثيرا للتدخلات الخارجية.
ومن يتتبع الأحداث المتتالية التي وقعت مؤخرا، يتأكد لنا شيء هام، وهو عدم الاستقرار السياسي، والأمني، حيث شهدت حدود البلاد مع الجماهيرية ليبيا في منطقة (الفوار) هجوما مسلحا على قوات رئاسة الأركان البرية التابعة (لحفتر) وهي القوات التي يقودها ابنه صدام حيث هاجمتها قوات مجهولة الهوية، وأسفر الهجوم على وقوع قتلى وجرحى وأسرى من قوات المشير حفتر، وكذلك تم تدمير وحرق مقر الكتيبة بالبوابة 200 على الحدود التشادية. واستولت هذه القوات المجهولة على كل العتاد والآليات التي كانت بحوزة القوات البرية الحفترية، وانسحبت بها إلى جهات غير معلومة. بالإضافة إلى الأحداث الداخلية المتكررة في بعض الأقاليم والتي سنذكرها لاحقا.
أهم الأسباب والدوافع التي أدت إلى اعتقال الدكتور سيكسي ماسرا: –
نستعرض بعض جوانب الحالة السياسية والأمنية المضطربة في شرق وجنوب تشاد وبعض المواقع الأخرى، والتي تتكرر بين الحين والآخر، لنجد ضمن تلك الأحداث التي تمت خلال شهر مارس الماضي 2024م حيث وقعت مواجهات مجتمعية في صحراء شرق البلاد بمنطقة (تيليغي) التابعة لإقليم وداي، قتل فيها أكثر من 40 شخص، ونجم عنها اعتقال 183 معتقل كان لهم ارتباط وثيق بتلك الأحداث الدموية، والتي شملت عمليات حرق للمنازل والممتلكات إلى جانب القتل.
كذلك شهدت البلاد اشتباكات الأحداث الاخيرة والتي اندلعت يوم 14 مايو 2025 م في قرية (مانداكاو) التابعة المقاطعة (لوغون الغربية) وهي مواجهات مجتمعية بين الرعاة والمزارعين حيث أسفرت عن مقتل حوالي 37 شخصا وإصابة آخرين، مما تسبب الأمر في زعزعة الأوضاع الأمنية في المنطقة، وهو الشيء الذي دفع بالأجهزة الأمنية الرسمية أن تهرول نحو المكان بغرض فض النزاع وضبط الحالة الأمنية في المنطقة، والحد من ذلك الصدام الدموي..
هذه الأحداث الأخيرة كانت خطيرة للغاية، الشيء الذي دفع الحكومة التشادية أن ترتب لعقد مؤتمر صحفي على خلفية تلك الأحداث، حيث ضم هذا للقاء عددا من الوزراء بالدولة وزير الإعلام ووزير الأمن العام والهجرة ووزير إدارة الأراضي واللامركزية، بغرض توضيح ملابسات الأحداث والحقائق للرأي العام، حيث أوضح المسؤولون بأن الأمر تم بتخطيط وتدبير مسبق من قبل مجموعة منظمة تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، مما أدى إلى وقوع المواجهات الدموية ومشاركة السكان في الأحداث ، حينها وجهت أصابع الاتهام المباشر إلى الدكتور (سيكسي ماسرا) رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب (المحولون) التشادي.
وكان ذلك السبب المعلن الذي أدى إلى اعتقاله.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط حالة من الجدل السياسي في تشاد، والتصعيد السياسي الأخير بين ماسرا وديبي بأن هنالك دوافع أخرى مخفية وراء ذلك الاعتقال والمرتبط بنشاط (ماسرا) الأخير على الصعيد الداخلي والخارجي وعلاقاته المميزة مع باريس.
وعلى صعيد آخر من حالة الجدل السياسي وجدنا بعضا الأحزاب المعارضة والكيانات السياسية في تشاد تعرب عن أسفها باعتقال الدكتور (ماسرا) واعتبرته عملية اختطاف دكتاتوري ممنهج، خارج عن الإطار القانوني، وحقوق المواطنة ولا يخرج عن كونه عملية إرهاب سياسي. وهو ما دعاهم إلى التخوف من مستقبل البلاد السياسي في ظل الأوضاع الحالية.
مؤكدين بأن أمر الاعتقالات التعسفية في الفترة الأخيرة قد طالت عددا من الشخصيات الكبيرة مثل ل (قام روبرت) الأمين العام الحزب الاشتراكي بلا حدود و(مونودجي) و(القس بيير) وغيرهم من الصحفيين والناشطين الحقوقيين وبعض رجال الدين والمواطنين العاديين. جميعهم معتقلون بشكل غير قانوني.
ودعوا إلى الإفراج الفوري عن الدكتور (ماسرا) وغيره ممن طالتهم يد البطش والاعتقال التعسفي، دون قيد أو شرط.
من منظور آخر يرى بعض المحللين والسياسيين أن حدث اعتقال (ماسرا) يأتي ضمن جوانب الكيد السياسي للنظام الحاكم وأن الحكومة تعمل على قياس الأمور بمعيارين وتسخر القضاء لصالحها، مستشهدين في ذلك بعدد من الأحداث والقمع والقتل التي حدثت في البلاد من قبل جنود النظام يوم 20 أكتوبر 2022م وكذلك أحداث القتل في مناطق (ابشة) و(سندانا).
وكذلك أحداث اغتيال (يحي ديلو) رئيس الحزب الاشتراكي بلا حدود وتدمير مقر حزبه، بالإضافة إلى الأحداث التي تمت في 8 يناير 2025م والتي وقعت أمام القصر الرئاسي وتعرض فيها الشباب للقتل.
وهم يرون أن جميع تلك الأحداث مرت دون أدنى اهتمام ولم يفتح فيها أي تحقيقات قانونية عادلة ولم يتم فيها توجيه الاتهامات أو تنفيذ حكم القانون على مرتكبي جميع هذه الجرائم.
ختاما
اعتقال (ماسرا) ربما يؤدي إلى حدوث بعض التحولات السياسية والاجتماعية في تشاد، وهذا ما سوف تسفر عنه الأيام القادمة