الجماعات المسلحة والتنظيمات الجهاديةالأمن والاستقرار

  بنين: هل ينضم تالون إلى تحالف الساحل الأمني؟

بقلم: مرتضى أحمد | باحث في الشؤون الأمنية والعسكرية

كارثة كبيرة شهدتها أراضي دولة بنين يوم 17 أبريل تمثلت في هجوم إرهابي دامي وقع على أراضيها، حيث أعلنت الحكومة  خلال مؤتمر صحفي في كوتونو مقتل 54 جنديا في هجوم شنه موالون للقاعدة شمال البلاد  ،وأفاد المتحدث باسم حكومة بنين، “ويلفريد لياندر هونغبيدجي”.

في بيان الحكومة، أن عدد القتلى الكبير كان بسبب هجوم شنه متمردون مرتبطون بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية لتنظيم القاعدة، على مراكز عسكرية داخل متنزه دبليو قرب الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر ، ورغم نفي المتحدث باسم الحكومة أن عدد القتلى لم يصل إلى جنديا 70  كما زعمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في بيان لها بالخصوص ، لكن عدد القتلى رغم ذلك  كان كبيراً ، ولذلك فإن هذا العدد يمثل أكبر خسارة يتكبدها الجيش منذ اندلاع التمرد في شمال البلاد.

ويبدو أن سطوة العمليات الإرهابية بدأت تطال مناطق ومساحات تتوسع نحو الجنوب محاولة توسعة نطاق عملياتها والحصول على رقعة جغرافية جديدة، ففي أقل من 48 ساعة بعدها، تم قتل ثمانية جنود في جمهورية بنين، في هجوم نفذه إرهابيون على مواقع للجيش في متنزه “دبليو” الوطني وهو منطقة حدودية مع بوركينا فاسو والنيجر.

مما طرح علامات استفهام كبيرة عن حقيقة محاولات التوسع للمجموعات الإرهابية في منطقة غرب أفريقيا، وتكرار الهجمات في منطقة “مثلث الموت” على تخوم بنين والنيجر وبوركينافاسو،

ويسجل هنا أن توالي بيانات الحكومة البنينية جاء معبراً عن حقيقة استشعار السلطات لخطورة الأمر ،وأنها عليها ان تتعامل بواقعية وشفافية مع المستجدات  ، فنادراً ما تعلق حكومة بنين على أعمال العنف والإرهاب على حدودها، لكنّ المسؤولين أقروا بأنهم شهدوا منذ عام 2021 نحو 20 توغلا ، لذلك يقدر الخبراء أن الإرهاب يحاول أن يتوسع  ،وأن توسعه هذا لا يصب في مصلحة دول تحالف دول الساحل (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)،  وأنه يعبر عن مقدار الفشل في القضاء على هذه التنظيمات، وأنه لذلك يجب أن تبدل تلك الدول متضامنة من دول المنطقة وخصوصاً بنين جهودا مشتركة وفاعلة لتجاوز أو الحد من المخاطر الإرهابية التي تعصف بالمنطقة

الجيوسياسية وأثرها على الأحداث

لطالما كانت بنين نقطة عبور لتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، لكن مع تغير خارطة الغرب الأفريقي، يتحرك الإرهابيون جنوبا سعيا للتمدد نحو نقاط خلفية، وبنين، التي كانت إحدى أكثر الدول استقرارًا بالمنطقة حتى وقت قريب، شهدت تحولًا خطيرًا في المشهد الأمني، بعد هجوم الهجمات الدامية التي شنّتها جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية لتنظيم القاعدة.

وتلعب دولة بنين، الواقعة في غرب إفريقيا، دورًا جيوسياسيًا مهمًا في المنطقة، خاصةً في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها، وتاريخيًا، كانت بنين تُعتبر واحدة من أكثر الدول استقرارًا في غرب إفريقيا، ولكنها أصبحت مؤخرًا هدفًا للجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة وداعش، الذين يسعون للتوسع جنوبًا بعد تضييق الخناق عليهم في منطقة الساحل.

ومن الناحية الجغرافية، تقع بنين على حدود مشتركة مع دول مثل بوركينا فاسو والنيجر، مما يجعلها عرضة للتأثيرات الأمنية من هذه الدول، خاصةً بعد الانقلابات العسكرية في النيجر وتصاعد التوترات الإقليمية

ويفرض هذا الموقع الجغرافي لدولة بنين، احتمالية تعرضها لمضاعفات الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها الدولتين، حيث يخوض الإرهابيون المرتبطون بتنظيمي القاعدة وداعش حروبا شرسة ضدهما، لذلك لم تتوانى السلطات في بنين عن إرسال ثلاثة آلاف جندي لضمان أمنها الحدودي.

ويرى الخبراء أن طبيعة المنطقة التي حدث بها الحادثة تُعد منطقة استراتيجية ويصعب التحرك فيها، كونها منطقة غابات وحدودية، وهذه الخاصية تشجع التنظيمات الإرهابية لمحاولة كسب هذه المنطقة والتموضع فيها لأنه يصعب على الآليات الثقيلة والمركبات التحرك بها، ويمكن أن تستغل كقاعدة للانطلاق منها لشن هجمات على باقي دول الساحل الأفريقي.

كما يقدر الخبراء أن المناطق الشمالية من بنين أصبحت مركزًا للهجمات الإرهابية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى المسارعة إلى تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة هذه التهديدات

دولة بنين تحت عيني التنظيم الأسباب والدواعي

تتحدث المصادر إلى أن الحاضنة الاجتماعية لمنتسبي التنظيم أغلبها من قومية “الفلان”، وهي سبب رئيسي في قوة الجماعة، حيث توفر الارتباطات والامتدادات الاجتماعية ملاذاً آمناً لتحركات التنظيم، بالإضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة التي توفر سهولة انضمام فئة الشباب له، تحت غطاء تأمين المعيشة لعائلاتهم، وتأمين الحقوق الأساسية

التي يرون أنهم محرومون منها بسبب التهميش ولطبيعة التباين والتمايز العرقي الذي يسود تلك المناطق، لذلك وجدت التنظيم وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين البيئة الاجتماعية المناسبة التي يمكن أن تؤويها.

كما أن الظروف والمتغيرات التي يعيشها السكان المحليين تفرض نفسها في معادلة فهم حقيقة التوسع، ولعل أبرز تلك المعطيات هي: 

1- الفقر: لا يزال الفقر من أبرز التحديات التي تواجه بنين، خاصة في المناطق الريفية.

2- التغيرات المناخية: تهدد التغيرات المناخية الزراعة والأمن الغذائي في بنين.

3- الهجرة غير الشرعية: يشكل ارتفاع معدلات الهجرة غير الشرعية تحدياً كبيراً للبلاد.

رغم هذه التحديات، فإن بنين تمتلك إمكانات كبيرة، وتتميز بثروات طبيعية متنوعة، وشعباً طموحاً يعمل جاهداً لبناء مستقبل أفضل.

كما لا يمكن إغفال حقيقة وجود المتغير الفرنسي في معادلة التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وقراءة بعض المتابعين إلى أن أصابع غير بريئة للمخابرات الفرنسية في تصاعد نشاط المجاميع الإرهابية في المنطقة.

الآن وبعد هذه التطورات تتقلص الخيارات أمام الرئيس البنيني باتريس تالون، ليجد نفسه بين أن يرضخ لتعزيز العلاقات مع النيجر وبوركينا فاسو، ويسعى للتعاون مع نظاميهما إلى جانب توغو ونيجيريا لتشكيل قوة مشتركة لمواجهة الخطر المسلح المتصاعد، وبين أن يبقى وحيدا في ظل التقارب الحاصل بين الدول المجاورة مع بعضها البعض، وفي هذه الحالة سيكون وضعه أصعب في ظل الهشاشة الأمنية للبلاد.

فأيهما سيختار “ملك القطن” الساعي لمغادرة السلطة عام 2026؟

زر الذهاب إلى الأعلى