أبريل 21, 2025
[gtranslate]
#تحليلات وتقارير

صراعات ستحدد شكل العالم خلال عام 2025 – الجزء الأول

نشر موقع “كرايسيز جروب” استشرافًا لمستقبل عشرة صراعات في العالم استقبلها عام 2025، ستحدد تفاعلاتها وتداعياتها شكل العالم في المرحلة القادمة. وذكّر الموقع بصعوبة التنبؤ بمستقبل ومآلات تلك الصراعات نظرًا لتداخلها وتعقيدها، مشيرًا إلى أن عودة “ترامب” إلى البيت الأبيض ستزيد من تلك الصعوبة. وضمن الصراعات التي تناولها الموقع هناك ست منها تتعلق بقضايا الشرق الأوسط، سنختار منها ونصدرها على شكل جزاء، أولها المقدمة التي تتناول الوضع الجيوسياسي العالمي في ظل الصراعات المشار إليها. اختار مركز الوعي الأفريقي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن ينشرها على شكل أجزاء، وها هو الجزء الأول الذي يتناول الوضع في أوكرانيا والتحديات الأمنية والعسكرية للاتحاد الأوربي.

كيف يمكن التنبؤ بعام 2025 غير المتوقع؟

مهما حدث، يبدو أن الانزلاق إلى الفوضى سيستمر؛ فطالما أعفت الولايات المتحدة نفسها وأصدقاءها من القانون الدولي حيثما يناسب ذلك مصالحها. لكن حتى وفقًا للمعايير غير المتجانسة للعقود الأخيرة، فإن الأمور سيئة ومهيأة للأسوأ؛ ففي حين قدم الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، خدمة لفظية للنظام العالمي بغضّ الطرف عن تدمير “إسرائيل” لغزة، فإن “ترامب” سيستغني إلى حد كبير عن الجزء الأول. وإذا ضمت “إسرائيل” الضفة الغربية بمباركة الولايات المتحدة، أو قصفت واشنطن من جانب واحد الكارتلات المكسيكية، فإن المعايير التي أصبحت ضعيفة بالفعل معرضة لخطر التفكك بشكل أكبر. وسوف يولي المتحاربون اهتمامًا أقل لمعاناة المدنيين، وقد يقدِم قادة آخرون على الاستيلاء على أجزاء من أراضي جيرانهم إن كانوا قادرين على ذلك.

ويبدو أن معظم حروب اليوم ستستمر، وربما يتخللها في بعض الحالات وقف إطلاق النار حتى تتغير الرياح الجيوسياسية أو تنشأ فرص أخرى للقضاء على المنافسين. وقد يبرم “ترامب” صفقات مع بيونج يانج أو طهران تعيد تشكيل الأمن الآسيوي أو الشرق الأوسط، أو مع بكين لوقف ميل المنافسة نحو الصراع، أو مع موسكو لتهدئة الأمور مؤقتًا. لكن لا يمكن استبعاد سيناريوهات الكابوس؛ انفجار في آسيا، أو مواجهة أوروبية أوسع، أو محاولة للإطاحة بالنظام الإيراني أو الطرد الجماعي للفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى اندلاع حريق في الشرق الأوسط أيضًا. ومع تسارع وتيرة التغيير، يبدو العالم مهيأً لتحوّل نموذجي؛ والسؤال الآن هو: هل سيحدث ذلك على طاولة المفاوضات أم على أرض المعركة.

الصراع الأول: 

أوكرانيا والأمن الأوروبي

لقد وعد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية من خلال التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. المفاوضات تستحق المحاولة، لكن من الصعب رؤية مسار يفضي إلى وقف إطلاق نار مستدام – ناهيك عن اتفاق سلام.

للقوات الروسية اليد العليا، رغم أن تقدمها البطيء في شرق أوكرانيا يتحقق بكلفة هائلة. لقد فقد جيش الكرملين ما يقدَّر بنصف مليون بين قتيل وجريح منذ عام 2022، ويعاني الاقتصاد الروسي من عقوبات خانقة، ويرغب بوتين بتفادي دعوة مزيد من الجنود للقتال، خشية حدوث اضطرابات، على ما يبدو. إضافة إلى ذلك، وبسبب غرقه في أوكرانيا، خسر بوتين عميله الرئيسي في الشرق الأوسط، الرئيس السوري بشار الأسد. ما يزال يعتقد أنه يحقق انتصارات في أوكرانيا، وأن حلفاء كييف الغربيين يفتقرون إلى القدرة على الصمود في معركة الطويلة، لكنه يبدو مستعداً للتفاوض ورؤية ما يستطيع أن يحصل عليه. 

لا تُظهر كييف علامات على الاستسلام، لكن القوات الروسية تفوقها عدداً وعتاداً. في كانون الأول/ديسمبر، ذُكِر أن فريق ترامب تعهد بالاستمرار بتقديم المساعدات. لكن من غير الواضح ما إذا كان ذلك يعني السماح بوصول شحنات هي في طريقها أصلاً كجزء من حزمة كبيرة تمت الموافقة عليها في منتصف عام 2024 – والتي من المرجح أن تُستنفَد بعد مرور بضعة أشهر من عام 2025 – أو التعهد بتقديم دفعة جديدة. دون مساعدة الولايات المتحدة، ستواجه أوروبا، ورغم زيادة إنتاجها من الأسلحة، صعوبة في ردم الفجوة، حتى لو اشترت أسلحة أميركية، وحتى لو بدأت المصانع الأوكرانية نفسها بإنتاج الأسلحة. كما أن لدى كييف عدد قليل جداً من الجنود المدربين؛ وقد أدى هجومها في إقليم كورسك الروسي إلى نشر قواتها على مساحة أوسع مما تستطيع السيطرة عليه. قد لا تنهار الدفاعات الأوكرانية قريباً – في الواقع فإن المصادر الروسية تقول إنها تتوقع مكاسب تدريجية، وليس هزيمة سريعة – لكن أوكرانيا في مأزق.

لكن إذا أظهر الطرفان الإعياء، ستكون المفاوضات صعبة. لا يتمثل التحدي الرئيسي في الأرض؛ إذ تدرك كييف غالباً، كما يدرك داعموها الغربيون، أن روسيا ستحتفظ في الوقت الراهن بالأراضي التي تحتلها، والتي تبلغ نحو خُمس الأراضي الأوكرانية. (كما يدَّعي الكرملين وجود أراضٍ خارج سيطرته لكنها جزء من روسيا؛ لكن لا يبدو من المرجح أن تتخلى كييف عنها، أو أن تقدم موسكو تنازلات للحصول عليها.)

تتمثل النقطة العالقة فيما يحدث لباقي أوكرانيا. يريد بوتين جاراً مطواعاً لا يدور في فلك الغرب – كجزء من محاولته إعادة رسم نظام ما بعد الحرب الباردة الذي يرفضه بصفته نظاماً فُرض على روسيا وهي في حالة ضعف. ويطالب بنزع سلاح أوكرانيا، أو على الأقل تقليص حجم جيشها، والتخلي عن الضمانات الأمنية. بالمقابل ترى كييف وعواصم أوروبية خطراً وجودياً في اتفاق كهذا. إنها تعتقد، وثمة ما يبرر اعتقادها، أن القوات الروسية إما ستتقدم مرة أخرى أو أن موسكو ستُخضع كييف غير القادرة على الدفاع عن نفسها لإرادتها. ومن هناك، تتوقع اجتراء الكرملين على إخضاع مولدوفا وتهديد الدول الواقعة في خاصرة حلف شمال الأطلسي.

إذا كانت أوكرانيا وداعموها الغربيون متفقين على أن الردع مطلوب لكي يصمد وقف إطلاق النار، فإنهم يختلفون على شكله. رغم رغبة كييف المفهومة بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فإن انضمامها ليس مطروحاً على المدى القريب. كما أن من غير المرجح أن يعرض ترامب معاهدة ثنائية مشابهة لتلك التي توصلت إليها واشنطن مع اليابان أو كوريا الجنوبية. في الوقت الحاضر، لا تستطيع العواصم الغربية ربما التعبير عن التزاماتها أو إرسال قوات بأنفسها، ما لم تؤكد الولايات المتحدة أنها ستتدخل عند الضرورة – وتقدم فعلياً ضمانات أمنية شبيهة لتلك المترتبة على العضوية في حلف شمال الأطلسي. يمكن لجيش أوكراني قوي، بمساعدة أوروبا، أن يكون بديلاً، لكنه سيتطلب مساعدات غربية طويلة الأمد.

حتى لو توافق داعمو أوكرانيا الغربيون على خيار، ليس هناك مؤشرات على أن بوتين سيوافق عليه. رغم ذلك، فإن اختبار ما يمكن أن يقبل به يستحق التجربة، ولا سيما فيما يتعلق بالجيش الأوكراني. حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار يرجئ النزاعات الأكثر إشكالية إلى وقت لاحق سيكون أفضل من استمرار الحرب.

لكن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن الهجوم الروسي سيستمر، وأن المفاوضات إما لن تحرز الكثير أو ستنهار، مع حرص كل من الطرفين على تحميل المسؤولية للطرف الآخر. ثم، قد يحمِّل ترامب المسؤولية لموسكو، وإذا استطاع جمع ما يكفي من السلاح والذخيرة، سيصعِّد، ويخاطر أكثر في الدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا. أو سينفد صبره من أوكرانيا وينسحب. ستواجه كييف، التي تعتمد على الدعم الأوروبي وعلى تصنيعها للأسلحة بنفسها، بعض الأشهر الصعبة، في أفضل الأحوال، مع اندفاع أوروبا لتزويدها بالأسلحة.

يبدو ترامب حتى الآن أكثر ميلاً لإجبار الأوروبيين على إنفاق المزيد على الدفاع من الانسحاب من التحالف كلياً. لكن الغموض قد يدفع بوتين لجسّ النبض – ربما في بحر البلطيق أو البحر الأسود أو حولهما. سيكون من الصعب على واشنطن النأي بنفسها عن أزمة كبرى في أوروبا، مهما كان ترامب راغباً بفعل ذلك.



Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *