تحركات مشبوهة في مطار نيالا.. ما الذي يخفيه الدعم السريع؟
تحقيق لمنصة إيكاد
مسيّرات نوعية ومبانٍ مُستحدثة وعمليات شحن لا تتوقف في مطار نيالا.. وفي الطرف الآخر قصف كثيف لمحاولة إخراج المطار من الخدمة وقطع شريان حياة الدعم السريع.
في هذا التحليل من إيكاد نتتبع التطورات في مطار نيالا الخاضع لسيطرة الدعم السريع لمعرفة ماذا يحدث في الموقع الاستراتيجي الذي أصبح حديثًا للصحف ومصادر الاستخبارات التي تغطي الصراع في السودان.
فماذا كشفت صور الأقمار الصناعية؟ وهل تعرض فعلًا للقصف من الجيش السوداني؟ وما قصة المسيّرات الصينية؟
لماذا ركزنا على مطار نيالا؟
منذ سبتمبر 2024، ذكرت وسائل إعلام سودانية أن المطار استقبل رحلات شحن عسكري لإمداد قوات الدعم السريع، فضلًا عن تعرّضه للقصف المتكرر من الجيش السوداني لإخراجه من الخدمة. وفي أواخر يناير الماضي، بات المطار حديث صحف ووكالات أنباء عن استقباله مسيّرات صينية في إطار محاولة الدعم السريع التصدي لهجمات الجيش السوداني الذي يحقق تقدمًا واسعًا في جبهات متعددة.
تعد نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، ويقع مطارها في قلب مناطق سيطرة الدعم السريع، ويبعد عن مدينة الفاشر مسافة 179.5 كم.
تصاعدت أهميته عقب خروج مطار الجنينة من الخدمة بعدما قصفه الجيش السوداني.
ويعد هذا المطار جزءًا من خطوط إمداد الدعم السريع التي يتلقاها من الخارج.
ماذا يحدث في المطار؟ وهل تعرض للقصف فعلًا؟
حاولنا في إيكاد التأكد من الأخبار التي تتحدث عن قصف المطار من قِبل الجيش، وتتبعنا صور أقمار صناعية يومية حصلنا عليها من planet ما بين سبتمبر 2024 يناير 2025. في شهر سبتمبر، لاحظنا 4 نقاط متضررة في المطار على الأقل وكانت واضحة. تركزت الأضرار في مناطق التخزين والطريق الواصل بين المدرج ومصف الطائرات.
خلال أكتوبر 2024، تحدثت مصادر إخبارية سودانية عن قصف من الجيش طال المطار في الفترة من 14-18 من الشهر ذاته. بالرجوع لصور الأقمار الصناعية التي التقطها “Planet” في 19 أكتوبر، تبيّن أنه تعرض للضرر.
في 9 نوفمبر، ظهرت مقاطع أظهرت تعرّض المطار للقصف، بحسب ما وثقه صحفيون وناشطون. كما كشفت صور “NASA FIRMS” عن وجود آثار حرائق في المطار في اليوم التالي. بالرجوع لصور الأقمار الصناعية، ظهرت لنا في الفترة من 1-11 نوفمبر حرائق على مساحات كبيرة جدًا في محيط المطار. هذه الحرائق تضاربت الترجيحات حول سببها إن كان نتيجة القصف، أو كما رجحت شبكة “عاين” بأن الدعم السريع افتعلها من أجل إزالة الشجيرات والنباتات لتوسعة المطار.
أكملنا تتعبنا ووجدنا خلال شهري ديسمبر 2024 ويناير 2025 مزيدًا من الأضرار نتيجة القصف ومساحات أكبر من الحرائق.
ما حدث في المطار خلال شهر يناير لم يقتصر على الضربات والحرائق فقط، بل كان هناك أمور أخرى لفتت انتباهنا..
تحليل صور الأقمار الصناعية التي التقطها “Sentinel Hub” و”Planet”، رصدنا عمليات بناء بدأت في 10 يناير واستمرت حتى 21 من الشهر ذاته. كان البناء في مناطق قريبة من مصف الطائرات، رجّحنا أنها حظائر سريعة الإنشاء، ومنطقة أخرى خُصصت لتفريغ الحمولات.
لك الأبنية الجديدة أظهرتها كذلك صور عالية الدقة التقطها “Maxar” ونشرها مختبر البحوث الإنسانية التابع لجامعة “Yale” الأمريكية في 17 يناير 2025. كما كشفت الصور عن وجود مسيّرات صينية متطورة من نوع “FH-95” بعيدة المدى.
هذه التطورات في المطار تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الدعم السريع بات يستخدمه كموقع استراتيجي للإمداد من جهة، ونقطة لانطلاق مسيّراته من جهة أخرى.
في خطوتنا الثانية، تتبع فريق إيكاد الرحلات الجوية التي تهبط في المطار، لكن الغريب أننا لم نرصد عبر صور الأقمار الصناعية أي طائرة فيه، ولا حتى في بيانات برامج الملاحة.
في هذا الصدد، تحدثت صحف سودانية ومصادر الاستخبارات المفتوحة عن أن الرحلات كانت تتم ليلًا في خطة هدفها عدم كشف الطائرات، مع إخفاء إشاراتها عن برامج الملاحة.
وصلنا إلى مقطع وحيد تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر، نشره أحد عناصر الدعم السريع على منصة “تيك توك” ثم حُذف لاحقًا، أظهر المشهد طائرة شحن عملاقة قِيل إنها هبطت في مطار نيالا العسكري في السودان.
وبتحليل المعالم البصرية الظاهرة في المقطع مثل شكل التضاريس الجبلية وتوزيع الشجيرات، وجدنا أنها تطابقت مع جبال موجودة بجوار مطار نيالا، ما يعني فعلًا أن المطار يستقبل رحلات سرية لا تظهر على صور الأقمار الصناعية وبرامج الملاحة.
من أين يأتي الدعم للمطار؟
بحسب موقع “Africa Intelligence”، فإن المطار يعد مصدرًا رئيسيًا لوصول السلاح إلى الدعم السريع، وسُجلت رحلات قادمة من جنوب السودان. كما أشار إلى رصد نحو 30 رحلة بين مطار كاجانسي الأوغندي ومطار نيالا خلال الفترة بين سبتمبر وأكتوبر الماضي. وذكر موقع “دارفور 24” السوداني أنه تحقق بالفعل من وجود نحو 9 رحلات هبوط حدثت في مطار نيالا بين سبتمبر ونوفمبر.
وقبل أيام نشرنا في إيكاد تحقيقًا مفصلًا عن عمليات تطوير يقودها حفتر وروسيا في مطار معطن السارة جنوب شرق ليبيا والقريب من أماكن سيطرة الدعم السريع في السودان، ورجّحنا أن هذا المطار يُستخدم لإيصال الإمدادات لقوات حميدتي.
في قلب المثلث الحدودي جنوب شرق ليبيا، حيث كانت الرمال تحكم المشهد، يعود مطار “معطن السارة” للحياة وسط كثير من الغموض.
تطورات لوجستية واسعة وتوقيت حساس يثيران أسئلة عديدة: هل يتحول المطار إلى نقطة ارتكاز روسية في أفريقيا؟ أم هو ورقة جديدة في لعبة حفتر وروسيا؟ هل انسحبت من سوريا لتتمركز أكثر في ليبيا؟ إيكاد تفتح الملف وتجيب عن تلك الأسئلة وسر التطورات المتسارعة وتوقيتها.
كشفت إيكاد في تحقيقات سابقة عن مساع روسية لتعزيز نفوذها في إفريقيا، والتي بلغت ذروتها بإنشاء الفيلق الروسي في إفريقيا مطلع 2024.
كما كشفنا عن عمليات شحن عسكري مكثفة وتطوير عدة قواعد عسكرية في ليبيا، تمهيدًا لجعل ليبيا مركز قيادة للفيلق الإفريقي. وفي هذا التحقيق تستكمل إيكاد تتبعها للتطورات في القواعد الليبية، لتسلط الضوء على عمليات تطوير في مطار عسكري في الصحراء الليبية، جنوب شرقي البلاد.
ما كشفناه في هذا التحقيق يتركز حول مطار “معطن السارة” العسكري المهجور منذ عام 2011، الذي كان يُعد المطار العسكري الوحيد النشط جنوب شرقي ليبيا. يقع المطار في موقع استراتيجي بقلب المثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان، وتسيطر عليه قوات حفتر، يضم المطار مساحة واسعة تتسع لأكثر من 100 طائرة مقاتلة.
بتتبع التطورات في المطار عبر صور الأقمار الصناعية منخفضة وعالية الدقة التي حصلنا عليها عبر Maxar وجدنا أنها بدأت في 5 يوليو 2024. استمرت التطورات بوتيرة بطيئة طوال الفترة اللاحقة، ثم تسارعت بشكل كبير منذ نهاية نوفمبر 2024.
في صور ملتقطة بتاريخ 21 ديسمبر 2024 رصدنا انتشار عدة سيارات وآليات على المدرج الشرقي للمطار، بالتزامن مع عمليات ترميم ورصف في المدرج. وفي الجزء الغربي منه رصدنا عددًا كبيرًا من العربات، يرجح أنها منازل متنقلة خاصة بالعمال. كما لاحظنا انتهاء نبش وسفلتة الجزء الشمالي من ساحة تجمع الطائرات.
ما أحدث التطورات في المطار؟
فقد ظهرت في الصور التي التقطتها Sentinel Hub خلال الفترة من 6 إلى 11 يناير 2025. والتي كشفت عن اقتراب انتهاء عمليات سفلتة ساحة تجمع الطائرات، إضافة إلى البدء بتشييد منشآت جديدة بمحاذاة مصف الطائرات لها علاقة بالبنية التحتية والأبنية اللوجستية للمطار.
وبمقارنة التطورات التي شهدتها القاعدة خلال 2024 بآخر صورة أرشيفية عالية الدقة مُلتقطة للقاعدة عبر Google Earth في مايو 2023 نرجّح أن العمليات شملت: إعادة نبش ورصف المدرجات الرئيسية. تأهيل الساحة الرئيسية المخصصة لتجميع الطائرات غرب المدرج. مع العلم أن عمليات التطوير في المطار ما زالت جارية حتى تاريخ نشر التحقيق.
هنا طرحت إيكاد سؤالًا.. ما هدف هذه التطورات؟ وما السر وراء تسارعها منذ أواخر نوفمبر الماضي؟ الإجابة باختصار تكمن في التحولات الإقليمية التي شهدتها المنطقة مؤخرًا خصوصًا في سوريا.
وإليكم أبرز هذه التحولات والترجيحات التي تربطها بعمليات التطوير في المطار
تعزيز المصالح الروسية في الساحل الإفريقي خلال عام 2024، سحبت الدول الغربية مثل فرنسا قواعدها العسكرية من دول الساحل الإفريقي. وهو ما استغلته موسكو لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة بتعزيز علاقاتها وتوقيع اتفاقيات تعاون أمني مع حكومات تلك الدول، مثل تشاد ومالي والنيجر وبوركينافاسو.
تلك التحولات تزامنت مع تطوير روسيا لعدة قواعد في ليبيا لتأهيلها وجعلها قاعدة مركزية لقيادة الفيلق الإفريقي.
ونظرًا للموقع الاستراتيجي لمطار “معطن السارة” يرجح أن عملية إعادة تأهيله ربما تكون جزءًا من خطة روسيا لتعزيز نفوذها في إفريقيا عبر ليبيا. حيث يمكّنُ موقع المطار موسكو من التحكم في طرق الإمداد، ونقل العتاد والأفراد بسهولة للساحل الإفريقي مع تجنب الرقابة الدولية المكثفة على الموانئ والمطارات الرئيسية.