بوركينافاسو تحت ضربات الإرهاب وخيارات المجلس العسكري الصعبة
بقلم الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية / أ. مرتضى أحمد
الخبر: جهود أمنية مكثفة في مواجهة الإرهاب
تم تحييد سبعة إرهابيين من قبل BIR 19 وفي منطقة غناغا في بوركينا فاسو، شهدت الحرب ضد الإرهاب تقدما كبيرا. تمكنت قوات التدخل السريع التابعة للكتيبة 19 للتدخل السريع من تحييد سبعة إرهابيين كانوا ينشرون الرعب في مناطق كوسوغودو ودياكا وتيون، وذلك خلال عملية جريئة نفذتها.
وذكرت وكالة الأنباء البوركينابية (AIB) أن هذه العملية التي جرت يوم الخميس 6 فبراير 2025، حققت نجاحا باهرا. وأظهرت قوات الدفاع والأمن شجاعة وتصميما على طرد الجماعات الإرهابية التي كانت تزعزع أمن السكان المحليين.
التعليق والتحليل
“بوركينا فاسو تتصدر دول العالم في عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب”
بهذا علقت المسؤولة الأممية في إحاطة لها بمجلس الأمن في يناير الماضي على توالي الأحداث الإرهابية الدامية في دولة بوركينا فاسو، فلا يكاد يخلو شهر في بوركينا فاسو ولا يشهد هجوم إرهابي يهز البلد ويؤثر في كثير من الأحيان؛ على دول الجوار..
المتابعون للمشهد السياسي والأمني في دول الساحل الإفريقي لم يفتهم ملاحظة أنه منذ عام 2017 تضاعفت الأحداث المرتبطة بالحركات المسلحة في منطقة الساحل، بشكل استثنائي وخصوصاً في دول بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر إلى سبعة أضعاف، وأصبحت المنطقة تصنف أنها حاضنة وبيئة مناسبة للإرهابيين ، بحيث أنها صارت بؤرة للتوتر وعدم الاستقرار، ونقطة للصراع بين القوى العالمية المتنافسة في رحلة النفوذ والسيطرة في القارة الأفريقية ، كما أن تصاعد العمليات الإرهابية في القارة الأفريقية عموماً ومنطقة الساحل تحديداً لا يمكن عزله وفصله عن المتغيرات الدولية الحاصلة في القارة الأفريقية؛ لا سيما لجهة إعادة ترتيب العلاقات البينية بين دول القارة من جهة؛ وبينها وبين تراجع نفوذ الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة أخرى. ومن مؤشرات ذلك كمثال تزامن العمليات الإرهابية التي وقعت في مالي 20 / سبتمبر 2024، غداة الذكرى الأولى لإنشاء تحالف دول الساحل، الذي يضمّ كلاً من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي تواجه توسع الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي. والملاحظ أن هذه الدول ألغت تباعاً، منذ عام 2020، التحالف التاريخي مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، واستدارت في علاقاتها وتحالفاتها مع دول أخرى مثل روسيا والصين
وحقيقة الأمر أن بوركينا فاسو هي إحدى هذه الدول، فمنذ 2015 باتت تواجه أعمال عنف تنسب إلى حركات مسلحة مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش، أدت إلى سقوط نحو 20 ألف قتيل ونزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد.
وفي عامي 2024 و2025 شهدت بوركينا فاسو تصاعدًا في الحوادث الأمنية والهجمات الإرهابية بشكل لافت، مما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني في البلاد، ولعل أكثرها دموية حين قامت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة بالإعلان عن مسؤوليتها عن هجوم تسبب في مقتل أكثر من 100 جندي من بوركينا فاسو بمنطقة مانسيلا قرب الحدود مع النيجر، في شهر 6 /2024
ولم يرد متحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو على طلب من رويترز للتعليق على شن هجوم في المنطقة.
حيث ذكر موقع “سايت انتليجنس غروب” حينها أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قد ذكرت في بيان لها إن مسلحين اقتحموا موقعا عسكريا في البلدة حيث قتلوا 107 جنود وسيطروا على الموقع، قبل خمسة أيام.
وتأتي مجزرة ما يعرف ب “بارسالوغو” التي وقعت في 24 أغسطس 2024، كأحد أشرس الهجمات الإرهابية، حيث هاجمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مجموعة من الجنود والمدنيين كانوا يعملون على حفر خنادق دفاعية بالقرب من مدينة كايا. أسفر الهجوم عن مقتل ما يصل إلى 200 شخص، بينهم نساء وأطفال، وإصابة ما لا يقل عن 140 آخرين. كما استولى المهاجمون على عدة أسلحة وسيارة إسعاف تابعة للجيش.
وعقب هذه المذبحة، واستشعارا لخطورة الأوضاع في المنطقة، سارع أعضاء مجلس الأمن الدولي للتنديد وبأشد العبارات الهجمات الإرهابية التي أسفرت عن خسائر في أرواح المدنيين على مدى الأشهر السابقة لهذه المذبحة في بوركينا فاسو،
ثم آخرها وقبل كتابة هذا التقرير الهجوم الذي وقع قرب الحدود مع النيجر قبل أيام، وقُتل فيه ما لا يقل عن 10 جنود نيجيريين جراء كمين نصبه مسلحون قرب الحدود مع بوركينا فاسو، يعتبر امتدادًا لانتظام واستمرار العمليات الإرهابية التي تضرب أفراد وجنود قوات بوركينافاسو، فقد وقع الهجوم أثناء عملية لملاحقة لصوص ماشية في قرية تاكزات. ورغم فرار المهاجمين في البداية، إلا أن التعاون ما بين الجيشين البوركيني والنيجري، أدى إلى “تحييد” 15 “إرهابيًا” في اليوم التالي.
وتُظهر هذه الأحداث استمراراً في تصاعد وتيرة العنف والهجمات الإرهابية في بوركينا فاسو، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويؤثر سلبًا على استقرار البلاد، وبالمجمل فإنه وفق المصادر الصحفية منذ قرابة العام تقريبا، لم تعد السلطات في بوركينافاسو تعلن عن الخسائر البشرية، سواء العسكرية أم المدنية، لـ “العنف الجهادي”.
ولا يفوت الإشارة إلى القلق الحاصل عند الفريق القيادي العسكري الحاكم في بوركينافاسو من خطورة مساعي أطراف محلية وخارجية لإسقاط النظام، ففي يوم 12 يونيو 2024، شهدت العاصمة البوركينابية واغادوغو إطلاق نار كثيف في محيط القصر الرئاسي وهيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية. وقد تضاربت الأنباء حينها حول طبيعة الحادث، حيث أشارت بعض المصادر إلى أنه مجرد اشتباكات بين فصائل متناحرة من الجيش، بينما رجحت مصادر أخرى أن يكون الأمر محاولة انقلاب عسكري، وشهد شهر يونيو أيضاً، فرار الآلاف من النازحين من شمال شرق بوركينافاسو، بسبب تزايد الهجمات الإرهابية وتردي الوضع الأمني، ما يعكس ذلك كله غياب الاستقرار وانعدام الأمن في هذه المنطقة.
المجلس الانتقالي العسكري وخيارات مأزومة لمعالجة الأوضاع
التحذيرات الأممية من استفحال الإرهاب بالمنطقة، مؤشر خطير على مستوى الأرقام الرسمية المعبرة عما وصلته أعداد الوفيات على مدى ثلاث سنوات متتالية المرتبطة بالإرهاب بالمنطقة، حيث أنه يشكل أكثر من نصف إجمالي الوفيات المرتبطة بالإرهاب في العالم.
لهذا لم يكن مستغرباً مسارعة دول النيجر ومالي وبوركينافاسو للإعلان في يناير 2025، عن استعدادها لنشر قوة مشتركة من 5 آلاف جندي لمحاربة الجريمة المنظمة والإرهاب، وفق وزير الدفاع في النيجر، ساليفو مودي، وهو ما جعل نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد تصرح بأن إفريقيا ظلت مركز الإرهاب العالمي مع كون منطقة الساحل بمثابة نقطة البداية لواحدة من أكثر الأزمات وحشية في العالم.
وفي ظل ما يشهده الوضع الأمني في بوركينا فاسو من تطورات متسارعة، وجد المجلس العسكري الحاكم نفسه أمام تحديات كبيرة في مواجهة الهجمات الإرهابية المتزايدة، وحاول جاهداً اتخاذ خطوات جادة لمواجهة هذه الهجمات، وكان ومنها ضرورة تكييف علاقات الدولة مع دول الجوار والإقليم بما يسمح لها القدرة والمرونة في ملاحقة المجاميع الإرهابية العابرة للحدود ، وكان أهمها إعلان التحالف مع مالي والنيجر في تشكيل تحالف ثلاثي لمواجهة الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، وكان أحد أهدافه المعلنة التحالف تنسيق الجهود الأمنية وتبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات عسكرية مشتركة ، كما أنها أطلقت العنان لفتح آفاق التعاون مع الجزائر ، حين قام رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو بزيارة إلى الجزائر لبحث التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، واتفق الطرفان على تعزيز التعاون الأمني وتبادل الخبرات في هذا المجال .
وعلى الصعيد الداخلي شرع المجلس العسكري في إعادة تنظيم القوات المسلحة، بزيادة عدد الجنود وتدريبهم وتزويدهم بالمعدات اللازمة لمكافحة الإرهاب ، كما تبنى إعادة هيكلة الجيش بهدف تحسين كفاءته وفعاليته في مواجهة التهديدات الأمنية، والتركيز على التأهيل لقواتها من خلال الاستعانة بالخبرات الأجنبية، وفي هذا كان لافتا توجه الدولة الجديد لفتح آفاق التعاون مع روسيا، والإعلان عن توقيع اتفاقية تعاون عسكري مع روسيا، تقضي بإرسال مستشارين عسكريين روس إلى بوركينا فاسو لتدريب القوات المحلية وتقديم الدعم في مجال مكافحة الإرهاب، كما رأت أن تسعى إلى تعزيز التعاون العسكري مع تركيا، من خلال توقيع اتفاقيات للتعاون في مجالات التدريب والتجهيز التسليح .
ولعل انتباه قادة المجلس العسكري للتحديات التي تواجه النظام وقراءتها للتحولات الجيوسياسية في المنطقة، جعلها لا تتأخر في تنفيذ إجراءات أمنية حازمة من خلال تشديد الإجراءات الأمنية ، و فرض حالة الطوارئ في عدة مناطق من البلاد، بهدف منح قوات الأمن صلاحيات واسعة لمكافحة الإرهاب، وكذلك تشديد مراقبة الحدود لمنع تسلل الإرهابيين وتهريب الأسلحة، ولم تغفل عن التوجه إلى التركيز على التنمية من خلال تنفيذ برامج تنموية تهدف إلى مكافحة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للسكان،
وعلى الرغم من كل هذه الجهود، فإنه لا يزال الوضع الأمني في بوركينا فاسو يشهد تحديات كبيرة، بسبب طبيعة الجماعات الإرهابية التي تعتمد على حرب العصابات والهجمات الانتحارية. ومع ذلك، فيبدو أن المجلس العسكري مصمم على مواصلة جهوده لمكافحة الإرهاب وحماية المدنيين.
السناريوهات المحتملة أمام المجلس العسكري لمواجهة تضاعف أعمال الإرهاب
تشهد بوركينا فاسو تصاعدًا خطيرًا في الهجمات الإرهابية، مما يضع المجلس العسكري أمام خيارات صعبة لمواجهة هذه التهديدات. يمكن تلخيص السيناريوهات المحتملة فيما يلي:
1- الاستمرار في التصعيد العسكري وإعلان التعبئة العامة، وفي هذا يكون السبيل هو فرض تعزيز العمليات العسكرية عبر زيادة الهجمات الاستباقية ضد الجماعات الإرهابية المختلفة، مثل “داعش في الصحراء الكبرى” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وكذلك الاستعداد للتعامل مع أي جهد مخابراتي إقليمي ودولي لزعزعة النظام
وهو ما يحتم التوسع في تجنيد المزيد من أفراد الشعب في قوات الدفاع الشعبي (متطوعو الدفاع عن الوطن – VDP) لمساندة الجيش، رغم التحديات والمخاوف من ضعف تأمين الموارد لمتطلبات التدريب التسليح، ويضطر المجلس العسكري إلى طلب المزيد من الدعم الدولي العسكري من الحلفاء مثل روسيا (عبر فاغنر) أو تركيا للحصول على أسلحة وتكنولوجيا متقدمة.
2 – فتح آفاق التفاوض أو المصالحة مع بعض الجماعات كنهج يوفر الاستقرار على المدى المتوسط والطويل، فلا قدرة للدولة للاستمرار في خوض الحروب مع الجماعات الإرهابية، وهي تعي أن قدرا كبيرا من دعمها وتمويلها يأتي من أطراف خارجية ،ويقضي هذا البدء في التواصل مع الجماعات الأقل تطرفًا مثل بعض الفصائل المحلية التابعة لـ “نصرة الإسلام والمسلمين” بهدف التوصل إلى اتفاقيات تهدئة، واستخدام وسطاء دينيين أو زعماء قبائل لمحاولة كبح جماح العنف عبر حلول محلية، ولهذا السيناريو محاذيره التي قد تؤدي إلى تقسيم البلاد بين مناطق خاضعة للمفاوضات وأخرى تحت تهديد الجماعات الإرهابية.
3 – تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بمتطلب الارتكاز على التحالف العسكري الثلاثي بين الدول التي شهدت انقلابات عسكرية مالي والنيجر وبوركينافاسو، وما يمنحه من فرص تساعد في تقليم جذور المجاميع المسلحة الإرهابية في عموم منطقة الساحل، وقد يقتضي هذا التفكير في إعادة الانخراط في مبادرة الساحل والاستفادة من دعم الجزائر وغانا لمراقبة الحدود ومنع تسلل المسلحين.
وقد يضطرها هذا أيضاً إلى مراجعة التنسيق ولو بشكل جزئي مع فرنسا أو الولايات المتحدة رغم التوترات السياسية، حيث لا تزال باريس تحتفظ بوجود استخباراتي مهم في المنطقة.
4 – الحوكمة والتنمية لمواجهة الإرهاب من جذورهم، بتحسين الظروف الاقتصادية والخدمات العامة في المناطق المتضررة لمنع تجنيد السكان من قبل الإرهابيين الذين يوظفون احتياجات قطاع واسع من الشباب لفرص العمل، وفي هذا يكون توجه الدولة حازماً في ضرورة مكافحة الفساد وإصلاح الجيش لضمان ولاء القوات الأمنية ورفع كفاءتها في مواجهة التهديدات، وينبغي العمل على تعزيز الخطاب الوطني لخلق تضامن شعبي حول الجيش وتقليل نفوذ الجماعات المتطرفة.
- ممارسة نهج القمع الداخلي والتضييق على المعارضين والاستمرار في عسكرة الدولة، والتضييق على الحريات، وقمع المعارضة السياسية والإعلام المستقل تحت ذريعة محاربة الإرهاب، كما حدث مع القيود المفروضة على الصحفيين والمنظمات المدنية، وفي هذا يفتح الباب بشكل أكبر في مواجهة المجتمع الدولي الذي لن يدخر وسعاً في أن يمارس المزيد من الضغوط على المجلس العسكري بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وأمام كل هذه السيناريوهات نجد أن واقع محدودية الموارد العسكرية والمالية يفرض نفسه كمحدد مهم لأي خطوة من الممكن أن يسلكها النظام، كما أن أي انقسامات داخلية داخل الجيش بين الضباط المؤيدين للتعاون مع روسيا والآخرين الداعمين للحلول الإقليمية، قد يكون هو الاخر أحد الفلاتر التي تحدد خيارات الحكام في بوركينا فاسو.
وأخيراً….
قد يكون السيناريو الأرجح
الذي قد يتبناه المجلس العسكري هو الموازنة بين المزيد من التصعيد العسكري والتعاون الإقليمي مع بعض المحاولات للتفاوض المحلي، لكن نجاح هذه الاستراتيجيات يعتمد على مدى قدرة الحكومة على تجنب العزلة الدولية والاستفادة من الدعم الخارجي دون التورط في صراعات أوسع.